الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وَالْعِبْرَةُ فِي الْآيَةِ: أَنَّ كُلَّ مُذْنِبٍ يَقَعُ عَلَيْهِ عِقَابُ ذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا يَنْدَمُ وَيَتَحَسَّرُ وَيَعْتَرِفُ بِظُلْمِهِ وَجُرْمِهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ هُوَ سَبَبُ الْعِقَابِ، وَمَا كُلُّ مُعَاقَبٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ مَا يَجْهَلُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ، وَأَمَّا الذُّنُوبُ الَّتِي مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ تَعَالَى بِجَعْلِ عِقَابِهَا أَثَرًا لَازِمًا لَهَا فِي الدُّنْيَا فَلَا تَطَّرِدُ فِي الْأَفْرَادِ كَاطِّرَادِهَا فِي الْأُمَمِ، وَلَا تَكُونُ دَائِمًا مُتَّصِلَةً بِاقْتِرَافِ الذَّنْبِ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَقَعُ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَشْعُرُ فَاعِلُهَا بِأَنَّهَا أَثَرٌ لَهُ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ لَا يَعْرِفُ أَكْثَرُ السُّكَارَى مِنْهُ غَيْرَ مَا يَعْقُبُ الشُّرْبَ مِنْ صُدَاعٍ وَغَثَيَانٍ، وَهُوَ مِمَّا يَسْهُلُ عَلَيْهِمُ احْتِمَالُهُ وَتَرْجِيحُ لَذَّةِ النَّشْوَةِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا يُوَلِّدُهُ السُّكْرُ مِنْ أَمْرَاضِ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ وَالْجِهَازِ التَّنَاسُلِيِّ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ النَّسْلِ وَاسْتِعْدَادِهِ لِلْأَمْرَاضِ وَانْقِطَاعِهِ أَحْيَانًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْجَسَدِيَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَهِيَ تَحْصُلُ بِبُطْءٍ، وَقَلَّمَا يَعْلَمُ غَيْرُ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهَا مِنْ تَأْثِيرِ السُّكْرِ. ثُمَّ قَلَّمَا يُفِيدُ الْعِلْمُ بِهَا بَعْدَ بُلُوغِ تَأْثِيرِهَا هَذِهِ الدَّرَجَةَ أَنْ تَحْمِلَ السَّكُورَ عَلَى التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّ دَاءَ الْخُمَارِ يُزْمِنُ وَحُبَّ السُّكْرِ يُضْعِفُ الْإِرَادَةَ، وَمَضَارُّ الزِّنَا الْجَسَدِيَّةُ أَخْفَى مِنْ مَضَارِّ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَمَفَاسِدُهُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ أَخْفَى مِنْ مَضَارِّهِ الْجَسَدِيَّةِ، فَمَا كُلُّ أَحَدٍ يَفْطِنُ لَهَا. وَيَا لَيْتَ كُلَّ مَنْ عَلِمَ بِضَرَرِ ذَنْبِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ وَيَتْرُكُهُ وَيَتُوبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى مِنْهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِالِاعْتِرَافِ بِظُلْمِهِ، وَلَا بِالْإِقْرَارِ بِذَنْبِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيهِ لَا فِي دُنْيَاهُ، وَلَا فِي دِينِهِ، وَإِذَا كَانَ الرَّاسِخُ فِي الْفِسْقِ لَا يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ وَقَعَ عَلَيْهِ ضَرَرُهُ وَعَلِمَ بِهِ، فَكَيْفَ يَتُوبُ مِنْ ذَنْبٍ لَمْ يُصِبْهُ مِنْهُ ضَرَرٌ أَوْ أَصَابَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي بِهِ؟ إِنَّمَا تَسْهُلُ التَّوْبَةُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، وَإِلَّا فَهِيَ لِأُولِي الْعَزَائِمِ الْقَوِيَّةِ الَّذِينَ تَقْهَرُ إِرَادَتُهُمْ شَهَوَاتِهِمْ فَهُمُ الْأَقَلُّونَ.وَأَمَّا ذُنُوبُ الْأُمَمِ فَعِقَابُهَا فِي الدُّنْيَا مُطَّرِدٌ، وَلَكِنَّ لَهَا آجَالًا وَمَوَاقِيتَ أَطْوَلُ مِنْ مِثْلِهَا فِي ذُنُوبِ الْأَفْرَادِ، وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا تَخْتَلِفُ فِي الْأَفْرَادِ بَلْ أَشَدُّ، فَإِذَا ظَهَرَ الظُّلْمُ وَاخْتِلَالُ النِّظَامِ وَنَشَأَ التَّرَفُ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ فِي أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ تَمْرَضُ أَخْلَاقُهَا فَتَسُوءُ أَعْمَالُهَا وَتَنْحَلُّ قُوَاهَا، وَيَفْسُدُ أَمْرُهَا وَتَضْعُفُ مَنْعَتُهَا، وَيَتَمَزَّقُ نَسِيجُ وَحْدَتِهَا، حَتَّى تُحْسَبَ جَمِيعًا وَهِيَ شَتَّى- فَيُغْرِي ذَلِكَ بَعْضَ الْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ بِهَا، فَتَسْتَوْلِي عَلَيْهَا، وَتَسْتَأْثِرُ بِخَيْرَاتِ بِلَادِهَا، وَتَجْعَلُ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً. فَهَذِهِ سُنَّةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي الْأُمَمِ عَلَى تَفَاوُتِ أَمْزِجَتِهَا وَقُوَاهَا، وَقَلَّمَا تَشْعُرُ أُمَّةٌ بِعَاقِبَةِ ذُنُوبِهَا قَبْلَ وُقُوعِ عُقُوبَتِهَا، وَلَا يَنْفَعُهَا بَعْدَهُ أَنْ يَقُولَ الْعَارِفُونَ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَعُمُّهَا الْجَهْلُ حَتَّى لَا تَشْعُرَ بِأَنَّ مَا حَلَّ بِهَا، إِنَّمَا كَانَ مِمَّا كَسَبَتْ أَيْدِيهَا، فَتَرْضَى بِاسْتِذْلَالِ الْأَجْنَبِيِّ، كَمَا رَضِيَتْ مِنْ قَبْلُ بِمَا كَانَ سَبَبًا لَهُ مِنَ الظُّلْمِ الْوَطَنِيِّ، فَيَنْطَبِقُ عَلَيْهَا قَوْلُنَا فِي الْمَقْصُورَةِ:
وَقَدْ تَنْقَرِضُ بِمَا يَعْقُبُهُ الْفِسْقُ وَالذُّلُّ مِنْ قِلَّةِ النَّسْلِ وَلاسيما فُشُوُّ الزِّنَا وَالسُّكْرِ، أَوْ تَبْقَى مِنْهَا بَقِيَّةٌ مُدْغَمَةٌ فِي الْكَثْرَةِ الْغَالِبَةِ لَا أَثَرَ لَهَا تُعَدُّ بِهِ أُمَّةٌ. وَقَدْ تَتَوَالَى عَلَيْهَا الْعُقُوبَاتُ حَتَّى تَضِيقَ بِهَا ذَرْعًا، فَتَبْحَثُ عَنْ أَسْبَابِهَا، فَلَا تَجِدُهَا بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ إِلَّا فِي أَنْفُسِهَا، وَتَعْلَمُ صِدْقَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [42: 30] ثُمَّ تَبْحَثُ عَنِ الْعِلَاجِ فَتَجِدُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [11: 13] وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّغْيِيرُ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ، وَالْعَمَلِ الَّذِي تَصْلُحُ بِهِ الْقُلُوبُ فَتَصْلُحُ الْأُمُورُ، كَمَا قَالَ الْعَبَّاسُ عَمُّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ تَوَسَّلَ بِهِ عُمَرُ وَالصَّحَابَةُ بِتَقْدِيمِهِ لِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِهِمْ: اللهُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَلَمْ يُرْفَعْ إِلَّا بِتَوْبَةٍ. خِلَافًا لِلْحَشْوِيَّةِ الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبَلَاءَ إِنَّمَا يَرْتَفِعُ كَرَامَةً لِلصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَتَوَسَّلُ بِهِمُ الْمُذْنِبُونَ وَالْمُفْسِدُونَ. وَمَتَى عَلِمَتِ الْأُمَّةُ دَاءَهَا وَعِلَاجَهُ فَلَا تَعْدِمُ الْوَسَائِلَ لَهُ.فَلْيَنْظُرِ الْقَارِئُ أَيْنَ مَكَانُ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنْ هَذِهِ الْعِبْرَةِ، وَالشُّعُورِ بِعُقُوبَةِ الْجِنَايَةِ وَالْحَاجَةِ إِلَى عِلَاجِ التَّوْبَةِ، وَقَدْ ثُلَّتْ عُرُوشُهَا، وَخَوَتْ صُرُوحُ عَظَمَتِهَا عَلَى عُرُوشِهَا، وَكَانَتْ أَجْدَرَ الشُّعُوبِ بِمَعْرِفَةِ سُنَنِ اللهِ فِي هَلَاكِ الْأُمَمِ وَاتِّقَائِهَا، وَأَسْبَابِ حِفْظِ الدُّوَلِ وَبَقَائِهَا، فَقَدْ أَرْشَدَهَا إِلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَلَكِنْ أَيْنَ هِيَ مِنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَرَكَ تَذْكِيرَهَا بِهِ الْعُلَمَاءُ، فَهَجَرَهُ الدَّهْمَاءُ، وَجَهِلَ أَحْكَامَهُ وَحِكَمَهُ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ، ثُمَّ نَبَتَتْ فِيهَا نَابِتَةٌ لَا تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ، أَقْنَعَهُمْ أَسَاتِذَتُهُمْ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ، بِأَنْ لَا سَبَبَ لِهُبُوطِهَا وَسُقُوطِهَا إِلَّا اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ، فَأَضَلُّوهُمُ السَّبِيلَ، وَلَفَتُوهُمْ عَنِ الدَّلِيلِ، فَذَنْبُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ يَجْهَلُونَهُ، وَذَنْبُ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ لَا يُقِيمُونَهُ، هَؤُلَاءِ مُقَلِّدَةٌ لِلْأَجَانِبِ الطَّامِعِينَ الْخَادِعِينَ، وَأُولَئِكَ مُقَلِّدَةٌ لِشُيُوخِ الْحَشْوِيَّةِ الْجَامِدِينَ، فَمَتَى تَنْتَشِرُ دَعْوَةُ الْمُصْلِحِينَ أُولِي الِاسْتِقْلَالِ، فَتُجْمَعُ الْكِمْلَةُ بِمَا أُوتِيَتْ مِنَ الْحِكْمَةِ وَالِاعْتِدَالِ، عَلَى قَوْلِ الْكَبِيرِ الْمُتَعَالِ: {إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}بَيَّنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَاتِ: أَنَّهُمَا بَدْءٌ لِلْإِنْذَارِ- بَعْدَ بَيَانِ أَصْلِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ- بِالتَّذْكِيرِ بِعَذَابِ الْأُمَمِ الَّتِي عَانَدَتِ الرُّسُلَ فِي الدُّنْيَا، وَهَذِهِ الْآيَاتُ تَذْكِيرٌ بِعَذَابِهِمْ فِي الْآخِرَةِ، قَفَّى بِهِ عَلَى تَخْوِيفِ قَوْمِ الرَّسُولِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ، بِتَخْوِيفِهِمْ مِمَّا يَعْقُبُهُ مِنَ الْعَذَابِ الْآجِلِ، وَهُوَ الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ فِي الْآخِرَةِ.{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} عَطَفَ هَذَا عَلَى مَا قَبْلَهُ بِالْفَاءِ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ وَيَجِيءُ بَعْدَهُ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ الْعَذَابُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْيَأْسِ آخِرُ أَمْرِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ: إِنَّ الْفَاءَ هُنَا هِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْفَصِيحَةَ، وَقَدْ أُكِّدَ الْخَبَرُ بِلَامِ الْقَسَمِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ، لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ مِنَ الْعَرَبِ فِي أَوَّلِ الدَّعْوَةِ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ، وَلِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ تَأْثِيرٌ فِي الْأَنْفُسِ وَلاسيما خَبَرُ الْمَشْهُورِ بِالْأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ كَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانُوا يُلَقِّبُونَهُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِالْأَمِينِ، وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ جَمِيعُ الْأُمَمِ الَّتِي بَلَغَتْهَا دَعْوَةُ الرُّسُلِ، يَسْأَلُ تَعَالَى كُلَّ فَرْدٍ مِنْهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَنْ رَسُولِهِ إِلَيْهِ وَعَنْ تَبْلِيغِهِ لِآيَاتِهِ، وَبِمَاذَا أَجَابُوهُمْ وَمَا عَمِلُوا مِنْ إِيمَانٍ وَكُفْرٍ، وَخَيْرٍ وَشَرٍّ، وَيَسْأَلُ الْمُرْسَلِينَ عَنِ التَّبْلِيغِ مِنْهُمْ وَالْإِجَابَةِ مِنْ أَقْوَامِهِمْ.بُيِّنَ هَذَا الْإِجْمَالُ فِي آيَاتٍ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [61: 130] وَفِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [28: 65] وَفِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرِوُنَ} [13: 29] وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [16: 56] وَهُوَ مَا ابْتَدَعُوهُ فِي الدِّينِ كَجَعْلِهِمْ لِمَعْبُودَاتِهِمْ نَصِيبًا مِمَّا رُزِقُوا مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، يَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ بِهَا بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَتَقَرَّبُونَ بِهِمْ إِلَى اللهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَمِنْهُ مَا يُنْذِرُهُ الْقُبُورِيُّونَ لِأَوْلِيَائِهِمْ، وَأَعَمُّ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي النَّحْلِ أَيْضًا: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [16: 93] وَهُوَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَمِثْلُهُ فِي التَّأْكِيدِ وَالْعُمُومِ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (15: 92، 93) وَمِنْهُ فِي السُّؤَالِ عَنِ الْمَشَاعِرِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [7: 36] وَقَالَ تَعَالَى فِي سُؤَالِ الرُّسُلِ: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [5: 109] وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي الْجُزْءِ السَّابِعِ.قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: نَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا أَجَابُوا الْمُرْسَلِينَ، وَنَسْأَلُ الْمُرْسَلِينَ عَمَّا بَلَّغُوا. وَنَحْوُهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقِيلَ: إِنَّ {الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} هُمُ الْأَنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ، و{الْمُرْسَلِينَ} هُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ نَزَلُوا عَلَيْهِمْ بِالْوَحْيِ، وَفِي رِوَايَةٍ: جِبْرِيلُ خَاصَّةً، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ: فَإِنَّ الرُّسُلَ يُسْأَلُونَ لِيَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى أَقْوَامِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [4: 41] وَلَا حَاجَةَ إِلَى شَهَادَةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الرُّسُلِ لِئَلَّا يُنْكِرُوا الرِّسَالَةَ، فَمَا هِيَ ذَنْبٌ يَتَوَقَّعُ إِنْكَارُهُ مِنْهُمْ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي السُّؤَالِ الْعَامِّ وَمَا يُسْأَلُ عَنْهُ النَّاسُ أَحَادِيثُ سَيَأْتِي بَعْضُهَا.فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْآيَاتُ تُثْبِتُ السُّؤَالَ الْعَامَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْعَقَائِدَ وَالْأَعْمَالَ وَهِيَ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [28: 78] وَفِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [55: 39] قُلْنَا: قَدْ أَجَابَ الْمُفَسِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ أَشَرْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْأَنْعَامِ [6: 129] إِلَى بَعْضِهَا، وَهُوَ أَنَّ لِلْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْيَوْمِ وَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَالِاعْتِذَارِ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَالصَّوَابُ أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ عَنِ الذَّنْبِ فِي آيَةِ الرَّحْمَنِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْآيَةِ يُفَسِّرُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ ذَنْبِهِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُ وَيَمْتَازَ مِنْ غَيْرِهِ، إِذْ قَالَ بَعْدَهَا: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [55: 41] وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، كَأَنَّهُ قِيلَ: لِمَ لَا يُسْأَلُونَ وَبِمَ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ مِنْهُمْ وَيَمْتَازُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْ حَمْلِ آيَةِ الْقَصَصِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأَوَّلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ هَلْ أَذْنَبْتَ أَوْ هَلْ فَعَلْتَ كَذَا مِنَ الذُّنُوبِ؟ أَيْ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْهُ بِذُنُوبِهِ وَقَدْ أَحْصَاهَا عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَهُوَ يَجِدُ مَا عَمِلَ حَاضِرًا فِي كِتَابِهِ مُتَمَثِّلًا فِي نَفْسِهِ، مَعْرُوضًا لَهَا فِيمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْضَائِهِ وَجَوَارِحِهِ- وَإِنَّمَا يَسْأَلُهُ لِمَ عَمِلَ كَذَا- أَيْ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ بِهِ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ تَفْسِيرِهِ هُنَا لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ} قَالَ: يُوضَعُ الْكِتَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. وَأَصْلُ الْقَصِّ تَتَبُّعُ الْأَثَرِ، فَيَكُونُ بِالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أُمِّ مُوسَى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [28: 11] وَبِالْقَوْلِ، وَمِنْهُ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [12: 3] وَهِيَ الْأَخْبَارُ الْمُتَتَبَّعَةُ كَمَا حَقَّقَهُ الرَّاغِبُ فَلَيْسَ كُلُّ خَبَرٍ قَصَصًا، أَيْ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَى الرُّسُلِ وَعَلَى أَقْوَامِهِمُ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ كُلَّ مَا وَقَعَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ قَصَصًا بِعِلْمٍ مِنَّا، يُحِيطُ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْهُمْ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ، أَوْ عَالِمِينَ بِكُلِّ مَا كَانَ مِنْهُمْ وَمَا كَتَبَهُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ عَنْهُمْ {وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} عَنْهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَلَا وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، بَلْ كُنَّا مَعَهُمْ نَسْمَعُ مَا يَقُولُونَ وَنُبْصِرُ مَا يَعْمَلُونَ، وَنُحِيطُ عِلْمًا بِمَا يُسِرُّونَ وَيُعْلِنُونَ، كَمَا قَالَ: {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [4: 108] فَالسُّؤَالُ لِأَجْلِ الْبَيَانِ وَالْإِعْلَامِ، لَا لِأَجْلِ الِاسْتِبَانَةِ وَالِاسْتِعْلَامِ، وَهَذَا الْقَصَصُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْحِسَابُ وَيَتْلُوهُ الْجَزَاءُ، وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي بَيَانِهِ كَثِيرَةٌ.أَمَّا الْآيَاتُ فَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالْإِمَامُ يُسْأَلُ عَنِ النَّاسِ، وَالرَّجُلُ يُسْأَلُ عَنْ أَهْلِهِ، وَالْمَرْأَةُ تُسْأَلُ عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، وَالْعَبْدُ يُسْأَلُ عَنْ مَالِ سَيِّدِهِ» وَوَرَدَ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى. وَفِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَأَعِدُّوا لِلْمَسَائِلِ جَوَابًا» قَالُوا: وَمَا جَوَابُهَا؟ قَالَ: «أَعْمَالُ الْبِرِّ» وَفِي مَعْنَاهُ مَا رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ «إِنَّ اللهَ سَائِلُ كُلِّ ذِي رَعِيَّةٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ أَقَامَ أَمْرَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ ضَيَّعَهُ. حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُسْأَلُ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ» وَمَا رَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ عَنِ الْمِقْدَامِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَكُونُ رَجُلٌ عَلَى قَوْمٍ إِلَّا جَاءَ يَقْدُمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا وَهُمْ يَتْبَعُونَهُ، فَيُسْأَلُ عَنْهُمْ وَيُسْأَلُونَ عَنْهُ» وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُنْظَرُ فِي صِلَاتِهِ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ» وَمَا رَوَاهُ هُوَ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ حَاسَبَهُ اللهُ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ- قَالُوا: وَمَا هِيَ قَالَ- تُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ، وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ» وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتَشْهَدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ- وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَّادٌ فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ».
|